أزمة الخليج (الحلقة الثامنة والأخيرة)
أزمة الخليج من الألف إلى الياء!!
خلاف سعودي – قطري قديم و متجذر وليس حدثاً طارئاً، أو خلافاً بين الدول الأربع المقاطِعة “المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات المتحدة ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية” وإمارة قطر
مقال توثيقي
محمود كعوش*
يوم دخلت “أزمة الخليج” شهرها التاسع مع مطلع شهر آذار/مارس 2018، وكانت إمارة قطر قد عانت ما عانته من العزلة التي فرضتها عليها دول المقاطعة الأربع “المناهضة للإرهاب” مصر والسعودية والامارات والبحرين منذ الخامس من حزيران/يونيو 2017، “الذي استحق مع الذكرى الخمسين لنكسة – هزيمة 5 حزيران/يونيو 1967!!”، بسبب ما قيل عن “غلوها في دعم الإرهاب وإيواء الإرهابيين وعدم امتثالها للمطالب العربية التي أعلنت لإعادتها الى محيطها العربي”، انبرى وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي الدكتور أنور قرقاش، ليؤكد مجدداً “أن حل الأزمة التي تعانيها قطر والمتمثلة بالمقاطعة العربية لها هو خليجي بحت، وأن بوابة الخروج منها هي بيد المملكة العربية السعودية لا غيرها”.
وفي لقاء له مع رؤساء الصحف المصرية أجراه أثناء زيارته الرسمية التي قام بها لمصر في شهر آذار/مارس 2018 أيضاً، اعتبر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن “هناك عُقدًا نفسية تحرك حكام إمارة قطر تجاه الدول العربية”، مشيرًا إلى أن “المشكلة مع قطر تافهة جدًّا، وأن سكان شارع واحد في مصر أكثر من سكان قطر”. وقال: “لا أشغل نفسي بقضية قطر، وإن من يتولى الملف القطري هو أقل من رتبة وزير”. وارتأى أن تكون “الطريقة الوحيدة لحل الأزمة مع قطر على طريقة تعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع كوبا عام 1959، عندما تدهورت العلاقات الأمريكية – الكوبية بشكل كبير بعد الثورة الكوبية المناهضة لسياسات واشنطن، وهو ما أدى إلى قطع الولايات المتحدة علاقتها مع كوبا، وفرضها حظرًا اقتصاديًّا عليها، بدأ في تشرين الأول/أكتوبر 1960، ولم يتم تخفيف سوى عدد من القيود خلال فترة الرئاسة الأولى للرئيس باراك أوباما”.
وفي ذات الشهر، شهد موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” رحى معركة تصريحات وتصريحات مضادة بين مستشار الديوان الملكي السعودي سعود القحطاني ورئيس الوزراء القطري الأسبق حمد بن جاسم آل ثاني حول “أزمة الخليج” والخلافات المستعصية بين المملكة العربية السعودية وإمارة قطر من ناحية وبين الإمارة والدول الأربع “المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ومصر” من ناحية أخرى. فبدوره دشن حمد بن جاسم حسابه الرسمي بهجوم شنه على من أسماهم “الجيوش المجيشة لزرع الفتنة” قائلاً: “لن أدخل في نقاش، ولن أرد على إساءة، لأن الكل يعلم أن هناك جيوشا مجيشة من كل الأطراف، وهي للأسف سخرت لهدم الكيان الخليجي، وزرع الفتنة وبث الأكاذيب، وما يؤسفني هو أن أغلب حكومات المنطقة أهملت عملها في تنمية المجتمع وتطوره وتقدمه، ولَم تتحرك إلا في هذا الجانب السلبي”. استدعى ذلك الرد الفوري من القحطاني الذي قال: ” حمد بن جاسم لم يستوعب حتى الآن، أن زمن المجاملة والصبر على “المراهقة السياسية” و”التصرفات العدائية” قد ولى. فنحن في مرحلة عنوانها الحزم والعزم. سياستك القديمة القائمة على تطبيق مبدأ – رمتني بدائها وانسلّت – لا مكان لها اليوم. مثال لهذه السياسة: تطبيعكم مع إسرائيل و اتهام الكبار بذلك”.
وفي ما يمكن اعتباره “بصيص نور في آخر النفق المظلم”، جاءت تصريحات أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، عقب المحادثات التي أجراها مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في البيت الأبيض في 10 نيسان/أبريل 2018، والتي قال فيها أنه “توصل مع ترمب إلى توافق، حول سبيل حل الأزمة الخليجية”. وأوضح أن “المباحثات بينه وبين الرئيس الأمريكي كانت صريحة وبناءة، وتناولت العلاقات الثنائية ومسائل إقليمية حيوية بما في ذلك الأزمة السورية”. وقال في تصريحاته بأن “ثمة توافق مشترك بأن الأزمة الخليجية تضر بجميع الأطراف وبجهود ملاحقة الإرهاب، وأن الحوار هو السبيل الوحيد لحلها”. وكان تميم قد أعرب في وقت سابق عن شكره للرئيس ترمب على “جهوده الشخصية ودوره الهام في محاولة إيجاد حل للأزمة الخليجية”، ونوه بدعمه الشخصي لقطر خلال “الحصار”!! وعززت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية ذلك البصيص عندما نقلت في أواخر نيسان/أبريل 2018، ما مفاده أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الذي زار الرياض في جولة إقليمية شملت إلى جانب المملكة العربية السعودية كلاً من الأردن و”إسرائيل”، وجه رسالة للسعوديين طالبهم فيها بضرورة إنهاء الأزمة الخليجية.
وجاءت صحيفة “الرأي” الكويتية لتؤكد ذلك وتبعث بعض الأمل، بنقلها عن مصادر مقربة من البيت الأبيض، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب رفع جملة من الطلبات إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وقت تنفيذها بصدور قراره الخاص بالاتفاق النووي الإيراني. وجاءت تلك الطلبات في رسائل أرسلها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في شهر نيسان/أبريل، حين كان مديراً للاستخبارات الأمريكية “سي آي أيه” إلى دول المجلس. ولربما أن “أخطر” تلك الطلبات، كان طلباً “واضحاً وصريحاً” بضرورة إنهاء دول المجلس، الأزمة القطرية، قبل إعلان ترمب قراره بشأن إيران في 12 أيار/مايو 2018.
ووفقا للصحيفة الكويتية فإن الطلبات الأمريكية جاءت على النحو التالي:
1- تأكيد صداقة أمريكا مع كافة دول الخليج، واستمرار تلك الصداقة مع كل الدول.
2- ضرورة توحيد مواقف كل دول الخليج، لمواجهة “المخطط الإيراني الخبيث”، الذي يسعى لزعزعة المنطقة.
3- التزام أمريكا بأمن دول الخليج، من “ناحية أخلاقية مبدئية”، ولأن هذا يحقق مصلحة أمريكا ومصلحة دول الخليج كافة.
4- تأكيد كافة دول الخليج على مواجهة النظام الإيراني بصورة أقوى، وهذا يتطلب تجانس ووحدة دول مجلس التعاون، وتشكيل تحالفات قوية مع مصر والأردن ودول أخرى صديقة.
5- أمريكا لن تتحمل وحدها مسؤولية التصدي للمخططات الإيرانية، خاصة مع استمرار الخلافات بين حلفائها داخل مجلس التعاون الخليجي، مع استمرار إصرار دول المجلس على عدم قبول مبدأ حل الخلاف.
6- أمريكا قدمت تضحيات والتزمت ماديا وبشريا بمواجهة الإرهاب منذ عام 2001، وأنفقت الكثير من الأموال في حربها ضد الإرهاب، وهو ما استفادت أمنيا منه دول الخليج بالدرجة الأولى.
7- كل ما قدمته أمريكا من التزامات، قد لا يستمر كثيرا في حالة لم تتخذ دول الخليج مجتمعا موقفا موحدا بالتحالف مع أمريكا للقضاء على الإرهاب، وإجبار نظام إيران على وقف مخططاته العدائية ضد المنطقة.
8- ينبغي أن تصدر مبادرة خليجية لإنهاء النزاع، وإظهار موقف موحد قبل القمة الأمريكية الخليجية، التي سيصدر فيها بيان إنهاء كل حالات المقاطعة ضد قطر، وفتح الحدود البرية والمجالات الجوية وعودة العلاقات الدبلوماسية، ولكن ينبغي أن يضع كل طرف في اعتباره أن “التوافق وحل المشاكل” هو الخطوة الأساسية لمواجهة المخاطر المحدقة بالمنطقة.
9- الدبلوماسية الأمريكية مستعدة لتقريب وجهات النظر في القضايا العالقة بين دول المقاطعة وقطر، وتطمين الجميع ونزع الخوف من الكل، لتحقيق الوحدة لمواجهة الاستحقاقات المقبلة، واتخاذ موقف عام بإنهاء الأزمة مع نهاية نيسان/أبريل 2018.
10- إيقاف كل دول الخليج، كافة الحملات الإعلامية ضد بعضها البعض، لأن هذا سبب التصعيد، وما يعيق الحلول ويرفع من الحساسيات بين الشعوب.
11- استمرار التشاور بين أمريكا ودول الخليج في الخطوة المقبلة بشأن إيران، حتى تحصل إدارة ترمب على دعم دول الخليج مجتمعة للقرارات المرتقبة، ودعم وتأييد مصر ودول أخرى صديقة، حول القرار.
أشير إلى أنه لأول مرة منذ تفجر أزمة الخليج في 5 حزيران/يونيو 2017، تطرقت إمارة قطر إلى ما أسمته “التطورات الإيجابية في المصالحة الخليجية المستندة على سلسلة مؤشرات عن انفتاح من قبل طرفي الأزمة على التفاوض حول مخرج للأزمة، كان بينها دعوة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى قمة “مجلس التعاون الخليجي” التي انعقدت في الرياض في شهر كانون الأول/ديسمبر 2019، ومشاركة كل من المملكة العربية السعودية والإمارات المتحدة ومملكة البحرين في كأس الخليج لكرة القدم “خليجي 24” في قطر”، إلا أن المراقبين ظلوا ينتظرون بفارغ الصبر رد فعل من إمارة قطر يمهد الطريق لعقد “مؤتمر مصالحة”، على الرغم من العقبات الكثيرة التي تعرقل طريق الوفاق.
وفي هذا السياق، قال كريستيان أولريشسن من معهد “بيكر” للسياسة العامة بجامعة “رايس الأمريكية” بعد دعوة الرياض للأمير القطري إنّ “المؤشرات على أن المصالحة وشيكة تتضاعف”. لكن بعض المراقبين السعوديين قللوا من دلالة هذه الخطوة قائلين أن الملك السعودي كان يتبع البروتوكول فقط، مشيرين إلى أنه سبق له أن دعا الأمير القطري لحضور قمة عام 2018 أيضا، لكن تميم بن حمد آل ثاني رفض حينها الدعوة، موفداً مبعوثا عنه كما فعل في قمة 2019.
كل ما تقدم لا يمنعنا من القول أن تطور الأحداث ظل يدلل على أن جميع المحاولات التي قامت بها إمارة قطر للخروج من الأزمة، بواسطة التدخل لدى واشنطن والتحايل على المطالب العربية والادعاء بأنها الدولة الوحيدة التي استجابت لمبادرات الحل وإنهاء الأزمة تارة، ومن خلال قيام أميرها بالدفع للعديد من الجهات الدولية من أجل الضغط على دول المقاطعة الأربع للتنازل عن مطالبها تارة أخرى، “في حين أنها ما تزال مستمرة في علاقاتها مع إيران والتنظيمات الإرهابية”، لم تفد في شيء حتى اللحظة، وأن الموقف الموحد لهذه الدول من الإمارة لم يزل على ثباته.
وبقى أن نقول أن إمارة الكويت هي الدولة الوحيدة من بين دول “مجلس التعاون الخليجي” التي أبقت على تفاؤلها بإمكانية حل “أزمة الخليج”، وقرب تحقق ذلك!! ففي شهر آذار/مارس 2018، بشر رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق علي الغانم بقرب حل ما أسماها “الأزمة القطرية”، مشيراً إلى أن الكويت تعرب عن قلقها من تطور الأزمة “لأن دول الخليج هي المصدر الأكبر للنفط”. كما أكد أن الإحتلال “الإسرائيلي” هو الخطر في المنطقة.
ونقلت صحيفة “الجريدة” الكويتية عن الغانم قوله، خلال زيارته لليابان أن “الجانب الكويتي عمل على تبديد مخاوف اليابانيين بهذا الشأن، عبر التأكيد على أن تلك الأزمة، هي أزمة عابرة وسيتم حلها من قبل الأشقاء أنفسهم، بفضل إرادة دول الخليج مجتمعة وبفضل الجهود الاستثنائية الحثيثة لأمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح”!! وأضاف “أود أن أطمئن الجانب الياباني أننا في الخليج بيت واحد وشعب واحد مهما اختلفنا، وأن هذه الأزمة ستنتهي وسحبها ستنقشع في فترة زمنية وجيزة”.
وفي نفس السياق، أوضح رئيس مجلس الأمة الكويتي، أن الخطر الحقيقي في الشرق الأوسط يتمثل في الاحتلال “الإسرائيلي” للأراضي العربية في فلسطين، والتي يجب أن تحل بالطرق السلمية وفق قرارات الأمم المتحدة، لافتًا إلى أن جميع المنظمات الإرهابية التي نشأت في المنطقة صنعت من قبل الخارج لتسيء للإسلام والمسلمين، وأن منبع هذه المنظمات الذي تتغذى وتشرب منه وتتاجر به هو قضية الاحتلال “الإسرائيلي”، ومتى ما انتهت هذه القضية فستجف منابع هذه المنظمات الإرهابية التي تتخذ من القضية الفلسطينية قاعدة لتجنيد الأنصار بحجة عدم فائدة الحلول السلمية والسياسية للقضية!!
لكن جميع الوقائع تجعلنا نستدل على أن جميع المحاولات التي بُذلت لحل “أزمة الخليج”، ورأب الصدع في ما بين المملكة العربية السعودية وإمارة قطر من جهة أولى، وما بين دول المقاطعة الأربع والإمارة من جهة أخرى، بما في ذلك مبادرة الكويت وغيرها من المبادرات العربية والدولية، قد منيت بالفشل الذريع، وأن أي مبادرة جديدة لن تكون بأفضل حال من سابقاتها، ولن تكلل بالنجاح.
وحتى لو كتب لواحدة من المبادرات المحتملة النجاح، فإن ذلك لن يؤدي لأكثر من هدنة مؤقتة سرعان ما تنطفئ شمعتها وتنتهي عند أول تباين في الرأي أو سوء تفاهم، الأمر الذي يرجح احتمال أن يكون تعرض إحدى الدول الخليجية ذات الصلة المباشرة بأزمة الخليج، للتغيير على مستوى القيادة بمباركة عربية وإقليمية وتواطؤ غربي ودولي، المآل الأخير لإخراج الأزمة من عنق الزجاجة ووضع حد نهائي لها، وإعادة الهيبة لمجلس التعاون الخليجي وهيمنة المملكة العربية السعودية عليه، وحفظ ماء وجه النظام في مصر.
انتهت……
محمود كعوش
كاتب وباحث فلسطيني مقيم بالدنمارك
kawashmahmoud@yahoo.co.uk
الحلقة الأولى
الحلقة الثانية
الحلقة الثالثة
الحلقة الرابعة
الحلقة الخامسة
الحلقة السادسة
الحلقة السابعة