اشتقنا لعودتك إلى الميدان أيها “المقلاع” الجميل، فمتى تعود؟
“المقلاع”…سلاح المقاومة الشعبية الفلسطينية لمواجهة الاحتلال الصهيوني
محمود كعوش
على الرغم من أن المقاومة الفلسطينية تطورت كثيراً وباتت الفصائل تمتلك أسلحة متطورة نوعاً ما كالصواريخ والأسلحة الرشاشة، فإن “المقلاع” ما زال رمزاً للمقاومة الفلسطينية الشعبية التي تجسد مقاومة شعب أعزل للجيش الأقوى في المنطقة بكل الأساليب الممكنة.
“المقلاع” هو سلاح الفلسطينيين الشهير، وكما تظهره الصورة، لا يعدو كونه حبلاً بقياسات معينة، يعقد من طرفين ثم يعقد من وسطه بطريقة خاصة، تسمح بحمل الحجارة، وإطلاقها باتجاه العدو، في حين لا تتسبب بخطر على راميها ومن حوله من رفاقه، وذلك اعتماداً على صناعة المقلاع وطريقة رمي الحجر.
تاريخياً يعود سلاح “المقلاع” إلى عصور قديمة، حيث استخدم من قبل الرومان والفرس والآشوريين وغيرهم في الحروب، كما أنهم تفننوا في صناعة المقذوفات التي تطلق من القاذف “المقلاع”؛ بعضها كانت تصنع من المعادن وبأشكال وأحجام مختلفة، وبعضها مدببة الزوايا لكي تخترق أجساد الأعداء.
كذلك، ووفقاً للأخبار المتواترة، استخدمه نبي الله داود – عليه السلام – عندما تقدم في أول الجيش لمحاربة جالوت، وقتله من أول ضربة بالمقلاع، كذلك استُخدمت “المقاليع” تاريخياً في الصيد.
الفلسطينيون أدخلوا المقلاع في مقاومتهم، منذ بداية صراعهم مع الاحتلال في أربعينيات القرن الماضي، إذ استخدم بشكل واسع، حتى صار رمزاً من رموز المقاومة، وسلاحاً نال، على بساطته، من العدو، وأثر سلباً على معنويات جنوده المدرعين المدججين بالسلاح. وكان الاحتلال “الإسرائيلي” يعاقب بشدة من يقتني تلك الآلة، ويستخدمها ضد جنوده بالسجن لفترة تصل لأشهر وسنوات.
والانتفاضة الفلسطينية الأولى، أو انتفاضة الحجارة بحسب ما اشتهرت به؛ لكون الحجارة كانت الأداة الرئيسية فيها، كما عُرف الصغار من رماة الحجارة بأطفال الحجارة، كانت شكلاً من أشكال الاحتجاج العفوي الشعبي الفلسطيني على الوضع العام المزري بالمخيمات، وعلى انتشار البطالة، وإهانة الشعور القومي، والقمع اليومي الذي تمارسه سلطات الاحتلال “الإسرائيلي” ضد الفلسطينيين.
وبدأت الانتفاضة الأولى يوم 8 كانون الأول/ديسمبر 1987، وكان ذلك في جباليا وقطاع غزة، ثم انتقلت إلى كل مدن وقرى ومخيمات فلسطين.
السلاح الفلسطيني “المقلاع” يمكن الشبان الفلسطينيين من قصف عدوهم بحجارة قوية من مسافة بعيدة، وإجبار جنود الاحتلال على الاحتماء من الحجارة المقذوفة، بالهرب من موقع سقوطها أو الاختباء خلف جدار أو حاجز ما، في حين يحمون رؤوسهم وأجسامهم بالدروع، ويحملون أسلحة آلية متطورة، لكنهم يعجزون عن حماية أنفسهم بشكل كامل من المقلاع الذي يرمي الحجر.
في المقابل يعشق الفلسطينيون رمي عدوهم ومواجهته وهم بلا دروع تحمي رؤوسهم أو أجسادهم، بل أحياناً يواجهونهم بصدور عارية، إلا من الإيمان بقضية الوطن، والحقوق المسلوبة. بل يصل الأمر إلى الرقص أثناء رمي الحجر، في مشهد يجسد عشق الحرية والانغماس في الفرح لأجل نيلها بالقوة.
“المقلاع” ولأهميته وما تركه من تأثير على مشهد المقاومة، ولكونه صار أحد النماذج المعبرة عن الغضب الفلسطيني ضد المحتل، وثق في الأدب الفلسطيني المقاوم، وجسد في أشعار المقاومة والأعمال الفنية والمسرحية، وصار جزءاً من أساليب المقاومة التي لن تنسى وستخلد في التاريخ، كما خُلدت المقالع في أول استخدام لها قبل آلاف السنين.