التطبيع: المحاكمة الأولى في الأرض المحتلة مجالا ونوعاً (الحلقة الخامسة)
تحقيق هاني البرغوثي
مدير و محرر موقع نبض الوعي العربي
حينما تكون محاكمة غريبة و لأول مرة في أرض فلسطين العربية المحتلة ، و المدعى عليه يحمل قضية فلسطين منذ نعومة أظفاره،دفع ثمن أفكاره و قوميته و مقاومة المحتل أن يقضي سنوات من عمره خلف قضبان السجون في الأردن قبيل احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة 1967، وسجون الاحتلال الصهيوني وحتى سجون السلطة في رام الله، و محاربته بأقل حقوقه في الوظيفة و اكتساب العيش من وظيفة ما يزرع لمن يجلسون على مقاعد تحصيل العلم فيحصدون نور العلم وحب الوطن حتى تحرير الوطن،انه الدكتور عادل سمارة في فلسطين الوطن الجريح ويجتهد أن يضمد هذا الجرح حتى الشفاء الكامل،و ذلك بتحرير فلسطين من المحتل ،يقاوم بسنان يراعه و مداد حبره الشريف التطبيع ،له مؤلفات عديده في نور المقاومة و ازالة الستار عن التطبيع و المطبعين.
كان لا بد لنا في “موقع نبض الوعي العربي” ان نتواصل مع الدكتور عادل سمارة حتى نستطيع توضيح كل ما في هذه المحاكمة لقراء الموقع و الأخوات و الأخوة الشرفاء المقاومين من الكتاب و السياسيين الذين يرفعون راية محاربة التطبيع .
سألت د. سمارة ما هي ملابسات دورك في المسألة؟ وقد كتب لي ما يلي:
” بداية، اشكرك على الإهتمام، وجوهر القضية هي الدعوة لدولة مع المستوطنين! وهذا يذكرني بمحاولات جميع من يتزلفون للعدو بالذهاب إلى حل “الدولة الواحدة” وهو ما أسميه “الاستقواء بالضعف” اي الارتماء تحت أقدام عدو يعتبر الكيان دولة يهودية نقية وفقط، وهؤلاء منذ بداية جلسات المحاكمة يوم 30 حزيران 2016 حاولوا تغطية الكيدية السياسية للمحكمة بما أن القضية هي التطبيع زاعمين سراً دون أن يواجهوني بأن القضية خلاف بين رجل وإمرأة! وهذا تشويه معيب يكشف بأن وهمهم بدولة واحدة هم انفسهم على قناعة بتهافُته. مسيرة المحكمة وصبرنا كشف كل شيء.
أوَّل علمي بالصرخة كان أن أرسل لي صديق فلسطيني في لبنان هو محمد العبد الله الرفاعي ، وهذا إيميله إن اردت الكتابة إليه. Alabdallah alrifai1947@gmail.com أرسل لي محمد نص وثيقة بعنوان “نداء وصرخة من الأعماق” وهي مصاغة بخطاب ماركسي، تبين لاحقا أن كاتبها هو د. صبري إمسلم من قرية خاراس قرب الخليل، وهو شيوعي سابق ومحسوب في المجلس الوطني الفلسطيني على الجبهة الشعبية. كان سابقا في الجزائر. بالمناسبة قبل الصرخة بثلاثة أعوام جاء زارني وطلب مني مساعدة أكاديمية لإبنه في الجزائر وفعلت.
وبالمناسبة ايضا بعد افتضاح الصرخة وهي منشورة كورقة وثيقة يتبناها ويروج لها تجمع مركزه في لبنان واسمه “التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة” ويرأسه المشبوه د. يحي غدار، وقد نُشرت في 15 ايار 2015، باسم الرفيق أبو احمد فؤاد نائب الأمين العام للجبهة الشعبية وفي موقع “العالمية”الإيراني وبعد الفضيحة جرى شطبها وأصدرت الجبهة بيانا تنفي علاقتها بالصرخة. وبعد الفضيحة ايضا ارسل لي صبري إمسلم رسالة شفهية مع إبن أخيه لإبني يزن يقول: أنا الآن عجوزا، وأريد أن اقضي بقية عمري مرتاح في خاراس”! عجيب! ولماذا تهي عمرك بوثيقة مشبوهة!!! طبعا، هو طُردبعد الفضيحة من اجتماع المؤتمر القومي العربي في بيروت على يد الرفيق د. عصام السعدي هو والمدعية حيث فضحهما د. عصام وذلك في شهادة د. عصام.
قال لي الصديق محمد عبد الله: “بدي رايك في هالوثيقة الملتبسة قرأتها 3 مرات حتى فهمتها”. قرأت الوثيقة ودهشت أنها تقوم على الطلب بدولة مع المستوطنين. وبالمناسبة كان ذلك في فترة حرق المستوطنين للطفل محمد ابو خضير، وعائلة دوابشة! كتبت له رايي.
قبل أن أُطلب للتحقيق عند مباحث السلطة يوم 29 حزيران 2016 بسنة أو أكثر جائني صديق من الخليل وقال لي إن عزمي بشارة يرتب لك مشكلة. وقد تبين لي لاحقا علاقة بين المدعية وعزمي وشخص آخر هو أحمد اشقر من بلدة إكسال في المحتل 1948 الذي كان يعيش في موشاف مزراع مع المستوطنين وشخص رابع لا أريد ذكر اسمه هو كان منسفهم في عمان.
قبل أن أُطلب للتحقيق اتصل بي شخص اسمه محمد وليد وقال لي اريد اللقاء معك. قلت من أنت قال انا من أمن جامعة بير زيت. قلت أمن وقائي؟ قال لا، أمن الجامعة (وكل هذا في إفادتي في المحكمة).قلت لماذا تريد لقائي قال ساخبرك. جاء إلى مكتبتي في القرية “اسميها القرمطية” هو وآخر اسمه محمد جميل وقالا لي أن المدعية وضعت قضية ضدك عند السلطة. قلت وما شأنكما في ذلك؟ قالا لأننا نريد ان نعرف عنها فهي ترسل اشخاصا للخارج ويتم التحقيق معهم حين يعودوا. قلت هي غير مريحة.
بعد جلسة المحكمة الأولى 30 حزيران 2016، كتب لي محمد جميل على الفيس (وهذا موثق) : دكتور “بدي اقعد معك للضرورة” والتقينا في مكتب كنعان، اعتقد يوم 9 تموز 2016، وقال لي أن المدعية طلبت منه ان يتصل بها هاتفيا ويهددها على أنه عادل سمارة. قلت له وهل ستشهد في المحكمة ؟ قال نعم. قلت ولكن لماذا تتعب نفسك من أجلي؟ قال انت كاتب ومناضل…الخ. قلت له، أنا لا يوجد عندي ما أقدمه لك سوى أن اساعدك بأن تسجل في جامعة بير زيت للماجستير اساعدك اكاديميا، دون أن يعرف من سيشرف عليك لأن الجامعات ترفض تشغيلي وأنا كثيرا ما اشرف على طلبة ماجستير ودكتوراة دون أن يعرف من يشرفون عليهم، وأعطيته هاتف د. سوسن مروة في الجامعة واتصل بها (كما كتب لي) وبعدها لم يذهب واختفى وحين عاودت الاتصال به رفض ان يشهد! ومنذ 3 جلسات للمحكمة محمد وليد ومحمد جميل مطلوبين للشهادة ويتغيبان!” كما سيطلب محاميان الدفاع الأستاذ مهند كراجة والأستاذ ظافر صعايدة، السماع لفيديو شهادة د. ربحي حلوم الذي كتب البيان ضد الصرخة والذي ارتكزت عليه المدعية بأنني كتبته واهاجمها، وهذا غير صحيح حيث أنني وافقت على البيان ووقعت عليه. فيديو د. حلوم يشرح كل شيء.
إلى هنا ينتهي حديث د. سمارة. وسيقوم “موقع نبض الوعي العربي” بنشر الصرخة المذكورة وما يتعلق بالقضية على حلقات.
تتمة صرخة وطنية ونداء من الاعماق
– من تنازل عن وحدة أرض وشعب فلسطين فقد أهليته لقيادة النضال الوطني التحرري لشعبنا
ولما كان تحقيق هذا الهدف الانساني العظيم يصطدم مباشرة بمصالح الثالوث المسيطر، المكون من قوى الهيمنة العالمية وقاعدتها الوظيفية، كيان الفصل العنصري الاستيطاني، وأنظمة الكومبرادور العربي التابعة بنيوياً لقوة الهيمنة العالمية، وحيث انتقلت القيادة الفلسطينية المتنفذة حالياً ونقلت معها المؤسسة الام الجامعة لكل القوى الوطنية الفلسطينية – منظمة التحرير الفلسطينية- الى موقع هذا الثالوث، واصطفت خلف قيادة الولايات المتحدة الامريكية، ووقَعت مع احد مكوناته مغتصب حقوقنا -الكيان الاستيطاني- اتفاقية اذعان استسلامية تخلت بموجبها عن وحدة ارض وسكان فلسطين التاريخية، واقرت بتجزئتها الى معازل عنصرية (اثنية) متعددة أكبرها المعزل الاستيطاني الاستعماري المسيطر على 93% من مساحتها، والمعازل الفلسطينية الفسيفسائية الصغرى المتعددة والمنعزلة عن بعضها البعض لسكان فلسطين الأصليين على مساحة قدرها 7% ، سبعة في المئة، من مساحتها المتبقية منها. وحيث اخرجت هذه القيادة القسم المحتل من فلسطين عام 1948 وسكانها الاصليين العرب من دائرة مفاوضاتها النهائية المعلنة، واسقطت من مفرداتها السياسية المتداولة علناً، مطلب تطبيق قرار 194 الدولي الخاص بعودة اللاجئين واستبداله بتعبير مطاط جديد هو: (حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين).
لذلك كله ولغيره من الأسباب المتعددة التي لا يتسع المجال هنا لذكرها، نعلن ان هذه القيادة قد افقدت نفسها اهلية البقاء على رأس العمل الوطني ان لم نقل فيه، الذي هو في جوهره جزء عضوي من حركة التحرر العربي لإنهاء الهيمنة الخارجية وتحقيق الوحدة القومية وتحرير فلسطين من نظام الفصل والتمييز الإثني والإحلال والدور الوظيفي الاقليمي والدولي.
إن التلازم بين حركة التحرر الفلسطيني وحركة التحرر العربي ينبع من تمفصل الحركتين على بعضهما نتيجة تلاحم موقعهما في بنية التناقض القائمة في منطقتنا منذ اتفاقيات سايكس- بيكو خلال الحرب العالمية الأولى على أقل تقدير، حيث قُسمت ثم ألحقت أقاليم الوطن العربي بالهيمنة الإمبريالية، وأصبحت جزءاً بنيوياً من النظام الرأسمالي الطرفي (من الأطراف مقابل المراكز)، وحيث أقامت تلك الدول الكيان الاستيطاني في قلب الوطن العربي كقاعدة لها في مواجهة حركة تحرره ووحدته المستقبلية.
وعلى الرغم من أن التجربة الملموسة خلال نصف قرن من النضال الوطني قد أثبتت أن تاريخ شعبنا المعاصر شكل ملحمة ثورية متواصلة مارس خلالها كل أشكال الكفاح، السلمي منه والمسلح، وقدم التضحيات الجسام رغم عدم تناسب قواه مع قوة نقيضه. إلا أن نفس التجربة قد أثبتت قصر نظر قياداته المتنفذة المتتالية، ليس لكونها لم تحقق انتصاراً على أعدائها وحسب، بل لكونها لم تنجز أي تراكمات في الوعي أو في الممارسة الكفاحية، ولم تورث الأجيال اللاحقة أي تقاليد كفاحية يعتد بها في مواصلة الكفاح الوطني التحرري.
إن القيادة الحالية المتنفذة تثبت كل يوم فشلها وعدم أهليتها الفكرية والعملية في قيادة كفاح شعبنا من أجل إنجاز حل عادل لقضيتنا يلغي جميع الأسباب المولدة للعدوان والتدمير الشامل في بلادنا. ان مصيبة هذه القيادة على شعبنا قد فاقت كل التوقعات فقد احدثت تراجعات الى الوراء في كل الميادين، سواء على صعيد الوحدة الوطنية او على صعيد التحالفات الخارجية، او على صعيد خلق قوة ذاتية، او على صعيد تنظيمي وطني، او خلق نموذج يحتذى به في أي شيء. حقاً انه لنكوص وطني شامل بامتياز.
وبحكم تبعيتها المطلقة للقوى العالمية والاقليمية المعادية لحقوق شعبنا والمهيمنة على مقدرات امتنا، وبحكم انخراطها في الترتيبات السياسية والاقتصادية لصالح تلك القوى، وبحكم تنسيق نشاط اجهزتها الامنية مع قوات الاحتلال تحت اشراف ضباط المخابرات الامريكية، وبحكم انصياعها التام لاملاءات الراعي الامريكي “النزيه جداً!” لعملية السلام الموهومة -ذاتية الحركة!- وبحكم اقتصار ابداعاتها على النشاط البروتوكولي في استقبال وتوديع الزوار وتبادل القبلات الحارة معهم دون تحقيق أي فائدة ملموسة لشعبنا ولقضيته سياسياً ومعاشياً.
نقول بحكم هذا وذاك اصبحت هذه القيادة تشكل عائقاً حقيقياً امام أي تطور او نهوض مستقبلي للقوى الحية في شعبنا التي لم تتلوث اياديها بالفساد المالي والاخلاقي ولم تدنِس سمعتها بالانخراط في التبعية للامبريالية الامريكية الى جانب الكومبرادور العربي، ولم تنغمس في مستنقع المفاوضات الاستسلامية العبثية مع المحتل الجاثم عنوة فوق ارضنا وعلى صدر شعبنا. وبدلاً من ان تكون هذه القيادة عوناً لكفاح شعبنا اصبحت عبئاً ثقيلاً على كاهله ومعيقاً له ينبغى إزالته لتتمكن مسيرتنا التحررية من مواصلة طريقها نحو تحقيق مهامها في تفكيك البنية الاستعمارية الاستيطانية الاحلالية مكان شعبنا والغاء وظيفتها الاقليمية التطويعية التي اصبح نجاحها مرهوناً “مشروطاً” بتجميد التطور العلمي والاقتصادي والتقدم التقني والاجتماعي لدول وشعوب محيطنا الاقليمي، الامر الذي يتعارض مع منطق الحركة والتغير الابدي الذي ينتظم على اساسه الكون الذي نعيش فيه.
ان هذه القيادة قد انطلقت من مصلحتها في تحديد موقعها وبالتالي موقفها، هي اعجز من ان ترى ما يشاهده احرار العالم في هذه الايام من بوادر حقيقية على انحصار حالة الجزر التي شهدتها حركات شعوب اسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية والوسطى في السنوات الاخيرة من القرن المنصرم، كما انها تجهل او تتجاهل – والله اعلم – حقيقة كوننا نعيش ارهاصات جديدة تضعنا على ابواب عالم يتميز بتسارع وتيرات تطوره ويحمل في احشائه تغيًرات مستقبلية عميقة في بنية تركيب القوى العالمية وتوزيعها من جديد بشكل يساعد على تصاعد حالة المد والنهوض لحركات التحرر الوطني والاجتماعي في مراكز وأطراف النظام الرأسمالي المعولم، فالانتصارات المتتالية لشعوب أمريكا الجنوبية والوسطى وإنجابها لأنظمة حكم ثورية تتحدى الهيمنة الأمريكية، إضافة الى نشوء حالة ممانعة ومقاومة في الشرق الاوسط عامة والعربي خاصة التي افشلت المشاريع الأمريكية، هذا الى جانب نهوض متواصل للحركات الاجتماعية وحركات الدفاع عن البيئة ومقاومة عولمة السوق الرأسمالية المتوحشة الغارقة في المضاربة ونتائجها المدمرة على الانسان والطبيعة معاً، والتي انفجرت اخيراً في شكل انهيار النظام المالي العالمي المتهاوي.
اننا نحذر الاحرار والمناضلين من اجل حلول عادلة في فلسطين التاريخية، ومحيطها الاقليمي، من تطبيق شعار (دولتين متجاورتين في فلسطين). فهو من جهة اولى يمثل خديعة كبرى عندما يصور إقامة المعازل الإثنية في فلسطين كتعبير عن تطبيق حق تقرير المصير لسكان هذه المعازل، كما حدث لسكان المعازل السود في جنوب إفريقيا بعد انفصالها الاداري عن الدولة الاستعمارية الأم بريطانيا عام 1910، حيث أنشأ النظام العنصري للمستوطنين الأوروبيين البيض فيها، نظام المعازل لإدارة شؤون سكانها السود، ونصب زعماء قبائل الزولو فيها بصفة ملوك، تحت اشراف وسيادة كيان المستوطنين العنصريين البيض.
ومن جهة ثانية، يمثل انفصال كيان المستوطنين وتميزهم عن السكان الاصليين القابعين في المعازل، تكريس لنظام الفصل والتمييز الإثني ( الابارتهايد) والإبقاء على طبيعة البنية الاستعمارية لكيان المستوطنين واستمرار استغلالهم للأرض الموحدة، تحت سيطرتهم، وقوة عمل السكان الأصليين فيها.
ويفيد سجل تاريخ الاستعمار الاستيطاني الاوروبي منذ الاكتشافات الجغرافية حتى الان انه لم يحدث ان حلت المشاكل المرتبطة بذلك الاستعمار على اساس تقسيم أراضي الاقاليم المستوطنة، بين سكانها الاصليين والمستوطنين فيها، على شكل كيانات اجتماعية سياسية منفصلة، وان عدم التقسيم هذا شكل قانوناً عاما لكل حالات الاستعمار الاستيطاني. وان جوهر الحلول التي تمخضت عنها جميع تلك الحالات، قد تمحورت حول علاقات المستوطنين بالسكان الأصليين، على تلك الأرض الموحدة، وليست المقسمة.
ان قبول القيادة الفلسطينية بتقسيم وطننا وتجزئته الى معازل بغض النظر عن مساحة وعدد سكان كل منها، يشكل شذوذاً عن القانون العام لصيرورة الظواهر الاستيطانية الاستعمارية المماثلة.
ومن جهة ثالثة، يشكل اقامة الدولة الفلسطينية المسخ على جزء من فلسطين التاريخية، بغض النظر عن مساحتها، تثبيتاً لبنية صراع المتناقضات القديمة، كما يؤبد طبيعة الكيان ودوره الوظيفي، ويبقي الاساس الموضوعي لاستمرار التدمير الشامل وعمليات الانتحار الجماعي والنفي المتبادل على ارض فلسطين التاريخية، ومحيطها الاقليمي كما هو عليه.
ان حجر الزاوية في أي حل لقضيتنا الوطنية لا يتمثل في النسب الكمية للأراضي المخصصة لسكان المعازل على الرغم من اهمية ذلك، بل يتمثل اساسا وقبل كل شيء في نوع العلاقات التي ستقام بين سكان فلسطين التاريخية المنزوعة المعازل.
فمشاكل البشر لا تنبع من وجودهم ككائنات حية مجردة من الزمان والمكان بل من أشكال محددة لكيفية هذا الوجود يرتبط كل منها بنمط من العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ينبثق عنها تناقضات تحدد شكل ومضمون المشاكل والصراعات المرافقة.
فمنذ استعمال الانسان للأدوات الحجرية الأولى وانتقاله فيما بعد من نمط حياة القطيع إلى حياة الرعي والتنقل وصولاً إلى حياة الاستقرار والزراعة ، ومن ثم نشوء الملكية الفردية والطبقات الاجتماعية وأول أشكال الدول القائمة على العبودية في الحضارات القديمة الأولى على ضفاف الأنهر في الصين والهند والعراق ومصر وغيرها ، أخذ الانسان يطور أشكال وجوده الاجتماعي متجاوزاً العبودية والاقطاع حتى وصل إلى الرأسمالية ، الذي تجاوز وجودها الآن ما يزيد على خمسمائة عام ، بما فيها مرحلتها الاستعمارية وأحد مخرجاتها الظاهرة الاستيطانية التي انتشرت في أمريكيا الشمالية والجنوبية وأستراليا وأفريقيا كشكل للتوسع الرأسمالي الإمبريالي ، فجاء تكوين الجماعات الاستيطانية بشكل اصطناعي لتأدية وظيفة لمصطنعيها.
ولما كانت الأقاليم المستوطنة عامرة بسكانها الأصليين لذلك تعرض غالبية هؤلاء السكان وحضاراتهم للتدمير والاندثار وخاصة في أنماط الإستعمار الإستيطاني الإحلالي كما هو الحال مع الهنود الحمر في شمال أمريكا والأبوريجينيز في أستراليا.
أما في حالات نمط الإستعمار الإستيطاني الإستغلالي حيث قاوم السكان الأصليون وصمدوا في أرضهم فارضين على المستوطنين الاستعمارين وحماتهم حلولاً انتزعوا بموجبها حقوقهم في تقرير المصير والمساواة مع من بقي من المستوطنين البيض على أرضهم بعد تجريدهم من وضعهم الإستعماري المتميز.
ومن أمثلة ذلك جنوب إفريقيا التي تعرضت للإستيطان الأوروبي الإستعماري منذ المنتصف الثاني للقرن السادس عشر حيث تعرض شعبها الأصلي الإفريقي لأبشع أنواع القهر والإستغلال والتدمير والتمييز والفصل العنصري والعيش في معازل بعيداً عن المستوطنين الإستعماريين البيض. إلا أن مقاومة السكان الأفارقة الأصليين وتضحياتهم الجسام بما فيها المقاومة المسلحة بقيادة حزب المؤتمر ، وتأييد شعوب وأحرار العالم لهم ، قد استطاعوا الإطاحة بنظام الفصل العنصري للمستوطنين الإستعماريين وأقاموا على أنقاضه دولة ديمقراطية لجميع مواطنيها المتساويين في الحقوق المدنية والسياسية.
وهكذا نرى أن الحل المتوصل إليه لم يمس وجود الناس على أرض جنوب إفريقيا بل مس علاقاتهم الغير متساوية بحيث أنهى كل أشكال التمييز والتميز.
أما في الجزائر التي تعرضت للاحتلال والإستعمار الفرنسي في الثلث الأول من القرن التاسع عشر ، فقد عاني شعبها أبشع أنواع القهر والإستغلال والبطش وإلغاء هويته الوطنية وفرض اللغة الفرنسية على شعبه الذي لم يستكن ولم يمل من الكفاح بجميع أشكاله لمدة مئة وثلاثين عاماً ، وخاصة المسلح منه بقيادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية التي تفاوضت مع حكومة ديغول في إيفيان لتحقيق الاستقلال عن فرنسا. وتجدر الإشارة هنا أن اتفاقيات إيفيان بين الحكومة الفرنسية وجبهة التحرير الوطني الجزائرية لم تتضمن إخراج المستوطنين من الجزائر بل تجريدهم من امتيازاتهم كمستوطنين إستعماريين مع الحفاظ على مساواتهم في الحقوق والواجبات مع بقية المواطنين الجزائريين ، أصحاب البلاد الشرعيين ، في دولة الجزائر الديمقراطية الشعبية. إلا أن المستوطنين الإستعماريين قد أصروا على امتيازاتهم ووضعهم الاستعماري ورفضوا البقاء كمواطنين متساويين لذلك غادروا أرض الجزائر مع القوات العسكرية الفرنسية.
وفي أمريكا الجنوبية التي تعرضت للغزو والإستيطان الإسباني والبرتغالي المبكر منذ الاكتشافات الجغرافية عام 1492، خضعت أرضها وسكانها الأصليين للنهب والإستغلال الفاحش والمعاملة الوحشية من قبل المستوطنين الإستعماريين الأوروبيين الذين ما لبث أن اندمج الكثير من أحفادهم تدريجياً مع السكان الأصليين ، ونشأت فيها حركات اجتماعية وسياسية ضد الظلم والقهر الطبقي الداخلي والسيطرة الإمبريالية الخارجية الأمريكية. ومثال على ذلك الثورات في كوبا وفنزويلا وبوليفيا والأرجنتين وتشيلي وغيرهم ، والتي أخرجت قادة ثوريين عظام من السكان الأصليين مثل تشافيز وموراليس وقادة من أحفاد المستوطنين الأوروبيين مثل كاسترو وجيفارا وإلليندي الذين شكلوا جميعاً تحالفاً ضد هيمنة رأس المال والإمبريالية العالمية.
ولهذا نرى ان المشكلة الفلسطينية لا تنحصر في وجود مهاجرين مستوطنين من جهة وسكان أصليين (فلسطينيين) على أرضها التاريخية من جهة اخرى، بل في نوع العلاقة التي اقامها كيان المستوطنين -المنعزل- مع شعبنا.
وعليه نؤكد ان التغيير الذي نريد تحقيقه على ارض فلسطين التاريخية لا يمس وجود الناس عليها، بل يمس العلاقات القائمة الغير انسانية بينهم.
ومن هنا وعلى ضوء فهمنا هذا ننطلق نحو تحديد المضمون الحقيقي لشعار تحرير فلسطين، الذي لا يعني في أية حال من الأحوال تحريرها من وجود المستوطنين المهاجرين المقيمين فيها، بل تحريرها من نمط العلاقات الإستعمارية الإثنية الإحلالية التي أقامها هؤلاء المستوطنين مع شعبنا الفلسطيني، وتحريرها من دور كيانهم الوظيفي على محيطنا الإقليمي.
اننا ندرك ثقل المسؤولية وجسامة العبىء على كاهل حركتنا الوطنية التي يتطلبها تحقيق هذا الهدف الإنساني العظيم في جوهره والشاق في مظهره، وما يستدعيه ذلك من ضرورة حشد كل طاقات شعبنا الكفاحية وتوحيد صفوف كل قواه الحية الصادقة في استعدادها للتضحية، والإرتقاء بها الى مستوى أعلى من الوعي والتنظيم والممارسة ونسج علاقات ديمقراطية ثورية فيما بينها.
– منظمة التحرير الفلسطينية اكتسبت صفتها من هدفها
وعلى الرغم من الملاحظات التي يمكن ان يبديها هذا التنظيم او هذا المفكر او ذاك، على كيفية تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، قبل احتلال الكيان الاستيطاني للضفة والقطاع عام 1967، الا ان ما يميز جوهر ميثاقها هو قرارات مجالسها الوطنية قبل اعلان البرنامج المرحلي، عام 1974، الذي انحرف بالمنظمة عن خط سير الحركة الوطنية الفلسطينية العام منذ عشرينات القرن المنصرم، حيث اتسم جوهر ذلك الميثاق وتلك القرارات بالاسس التالية:
- الانطلاق من نظرة توحيدية شاملة غير مجزئة لفلسطين التاريخية، ارضاً وسكاناً وحلول سياسية تواصلاً مع مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية منذ بداية العشرينات من القرن العشرين (بغض النظر عن نوعية الحلول التفصيلية ومقترحيها انذاك).
- الربط المحكم بين اهداف الحركة الوطنية الفلسطينية وآلية عملها وبين الحركة التحررية العربية وآلية عملها، باعتبارهما متلازمتان بحكم تلازم مصالحهما، الامر الذي انعكس بوضوح في مواد الميثاق الوطني للمنظمة وفي قرارات مجالسها الوطنية المتتالية.
- التأكيد على الدور الطليعي للمنظمة في تحرير فلسطين من مخلفات الاستعمار الاستيطاني الاحلالي باعتبارها اداة كفاحية لشعبنا، نالت منه بموجب ذلك وشرعية وجودها واحقية تمثيلها له.
- السمة الجامعة للمنظمة من حيث شموليتها لكل قوى شعبنا الوطنية باعتبار المنظمة اطاراً لتحالفها خلال مرحلة التحرير.
- بعيداً عن الجانب الفقهي سيسيولوجياً وقانونياً لمفهوم المنظمات، فان مصطلح منظمة التحرير الفلسطينية هو على جانب من الوضوح الفكري الذي لا يتطلب معه عناء التحليل لتبيان الترابط الشرطي الغير قابل للانفصام بين ضرورة وجود المنظمة كبنية لعلاقات قوى فلسطينية متمايزة نسبياً من حيث بعض الخصوصيات ومتكاملة من حيث تحقيق هدف مشترك، وجدت المنظمة اصلا من اجله. فوجود المنظمة هنا استدعاه هدف التحرير. وصفة المنظمة هنا مشتقة من هذا الهدف. فإذا انتفى هدف التحرير، أو زال، أو غيب بسبب ما أو استبدل بهدف اخر تزول عندها الصفة المعطاة للمنظمة التي اشتُقت منه، وتصبح عندئذ بدون صفة، إلا إذا حدد لها هدف آخر تقوم بتحقيقه، فعندها تشتق لها صفة جديدة من الهدف الجديد.
وبما ان القيادة استبدلت هدف المنظمة القديم التحريري بهدف جديد تفاوضي وقعت بموجبه اتفاقية إذعان اعترافا بالكيان، مع الابقاء على طبيعته الاستعمارية الاستيطانية الاحلالية، لذلك تصبح المنظمة من زاوية مصلحة ووجهة نظر الشعب الفلسطيني فاقدة لصفتها الاولى. ويترتب على الاطراف الفلسطينية المتفاوضة من اجل الوحدة واصلاح منظمة التحرير ان تركز في مفاوضاتها في الدرجة الاولى على ارجاع هدف التحرير الى صلب ميثاق وعمل المنظمة كشرط للإبقاء على صفتها الأولى.
وبناء على ما تقدم نرى ان منظمة التحرير بميثاقها وبقرارات مجالسها الوطنية السابقة على البرنامج المرحلي وبحصولها على الاعتراف الدولي وبقدرة الوطنيين الشرفاء من شعبنا على اصلاح الخلل الذي اصاب ميثاقها وبانهاء تفرد قيادتها وبتحريرها من الاتفاقيات التي وقعت باسمها، وبارجاعها الى طبيعتها كأداة كفاحية لشعبنا وباعادة تموضعها في حركة التحرر العربي وكصديق لكل المناضلين من اجل حرية الانسان وتقدمه، والدفاع عن سلامة كوكبنا وشروط الحياة عليه.
بهذا كله وبغيره من الاصلاحات الايجابية تستطيع المنظمة ان تكون اطاراً كفاحياً لقوى شعبنا العازمة على دخول مرحلة جديدة من النهوض الذي لن يمر بالتأكيد من خلال مفاوضات توحيدية يديرها من يحاصر شعبنا ويغلق حدوده لتجويعه وقتل مرضانا ولا يمتلك الحق او الجرأة في ادخال جندي واحد الى ارض ادعى انه حررها.
ان نهوض حركتنا الوطنية يمر من خلال التخلص من وهم السلطة وانهاء الصراعات المدمرة من اجل المحاصصة البينية فيها الفارغة من أي مضمون وطني.
ان كل فلسطيني وطني وعربي حر يمتلك الوعي العلمي والتجربة الصادقة يتساءل: كيف يوافق الذاهبون للتفاوض من اجل الوحدة الوطنية الفلسطينية تحت رعاية وتوجيهات رئيس مخابرات اول دولة عربية تفاوضت واقامت علاقات سياسية واقتصادية مع الكيان الاستيطاني وهي غارقة في تبعيتها لهيمنة عدونا الاول الامبريالية الامريكية، وتتآمر علناً على قوى الممانعة والمقاومة في منطقتنا؟
ان على القوى الفلسطينية التي تريد التوحد من اجل النهوض بحركتها لتحرير وطنها
وتحتاج الى من يساعد في تقريب وجهات نظرها ان تتوجه صوب الذين يتخندقون معها في مواجهة اعدائها، وليس صوب الذين يتخندقون ضدها في مواقع اعدائها. فليس بالصداقة والتبعية لامريكا يتحرر الوطن العربي ويتوحد! بل بمجابهتها وانهاء سيطرتها وتكنيس توابعها.
نعم للوحدة الوطنية في اطار منظمة التحرير المحررة من اتفاقيات اوسلو وتوابعها وفردنة قيادتها وتبعيتها لقوى الهيمنة وانظمة الكمبرادور العربي.
عاشت فلسطين محررة من مخلفات الاستعمار الاستيطاني العنصرية، ومبنية على اسس من الحياة المشتركة المتساوية لكل مواطنيها بعيداً عن كل اشكال الفصل والتمييز بسبب الدين او الثقافة او الاصل الاثني. وبعيداً عن العداء لمحيطها الاقليمي و صديقة لكل قوى التحرر والتقدم في العالم.
الى هنا تنتهي
صرخة وطنية ونداء من الاعماق
يتبع ….
الحلقة السادسة بملفات أخرى تتعلق بالمحكمة
متعلقات
ملاحظاتي على :
صرخة وطنية ونداء من الاعماق
يطلقها لفيف من شخصيات وكوادر الحركة الوطنية الفلسطينية الراهنة ، لإقامة دولة فلسطين الديمقراطية التقدمية على كامل التراب الوطني
رجعت إلى ورقة حاملة صرخة غدار و من تسميهم “لفيف من الشخصيات…الخ” حيث علمت ان مؤتمرا كبيرا سيعقد في الشام لهذه الورقة. عجييييييب! ان تقود مدعية مثلها كل هذه الناس.
وبعيدا عن الذهاب شمالا ويمينا في وصف الظرف الدولي والصراع العالمي …الخ، أزداد قناعة أن وراء الورقة مشروع تقويض للقوى الفلسطينية، التي ننقدها دوما. هذا التكفير بكل شيء من قبل (لفيف) لا يقدم:
1- قوة او فريق موثوق كبديل
2- لا يبين الأدوات لتنفيذ المشروع
3- يعيد إلى الذهن مشاريع خلق قيادات بديلة مثل روابط القرى وطموحات الأنجزة وغضب الأكاديميا الذين يشعرون بانهم الأجدر لقيادة الشعب.
4- هذا ناهيك عن التباس العلاقة بالمستوطنين جميعا بالطبع في كل فلسطين.
5- وبعد التمعن و القراءة عدة مرات تبين لي أن هذه الصرخة ليست صرخة من الأعماق ،بل صرخة تعايش و بيع وطن
لقد عقدت ندوات ومؤتمرات وكتبت كثير من الكتابات بهذا المضمون، ومعظمها عبر جامعات محلية أو عبر اكاديميين من جامعات في امريكا وبريطانيا.